كتبت من قبل، وقت تفجيرات باريس وبروكسل، أن ماكينة إنتاج الإرهابيين فى أوروبا وأمريكا لن تتوقف. لم يكن صلاح عبدالسلام والأخوان البكراوى ذوو الأصول المغربية آخر الإرهابيين المسلمين الذين تربوا فى الغرب وفى كنف تلك الحضارة وظلوا محتفظين بحنقهم وكراهيتهم وغضبهم واحتقانهم منها لدرجة تفجيرها من الداخل. حادث أورلاندو الأخير الذى راح ضحيته خمسين قتيلاً، ومثلهم من الجرحى، هو استمرار لماكينة الاستنساخ التى لن تهدأ، استنساخ الإرهابى الذى يظنونه قد اعتنق هذا الفكر التكفيرى فجأة بينما هو بذرة تنتظر فقط المناخ المناسب للنمو وطرح ثمرة الإرهاب الشيطانية. التربة الصالحة موجودة ومستعدة لاحتضان تلك البذور، تراث يحض على كراهية الآخر وقتله، يقرأه شخص سيكوباتى مضطرب نفسياً، فيجد صدى ويلاقى هوى، فتقع الواقعة المرعبة، تظهر للأمريكان والأوروبيين على أنها مفاجأة غير متوقعة بينما هى برنامج مسجل مكرر ممل يذاع كل يوم ولكنهم لا يحفظون تردد القناة التى تذيعه، قناة التراث المخاصم للحضارة المتقوقع داخل شرنقة الذات المتضخمة وفكرة الفرقة الناجية. الشاب الأمريكى الأفغانى عمر متين نموذج محفوظ جيداً، هو مثل البطل الإغريقى فى الدراما مساق إلى قدره ومصيره، ما يسوقه إلى هذا المصير هو تراث ماضوى وداعية سلفى ومنبر محرض وظروف شخصية نفسية مضطربة. قراءة عمر متين الذى أطلق رشاشه فى الملهى الليلى بلا انقطاع وبمنتهى التلذذ والنشوة وكأنه يحصد أرواح عصافير هى قراءة مهمة للفهم، هو شاب عمره 29 عاماً، أفغانى الأصل، درس فى كلية الحقوق، أى إنه ليس مواطناً أمريكياً عادياً فقط ولكنه دارس لقوانين تلك الدولة التى يعيش فيها، ماذا يعمل عمر متين؟ حارس فى مؤسسة أحداث منحرفين، يعرف ويحفظ جيداً أن هذا المجتمع الذى يعيش فيه لم يعد يصنف المثلية الجنسية كانحراف أو مرض، وإذا كان هو معترضاً على ذلك التصنيف فعليه أن يلجأ من خلال حزبه الذى ينتمى إليه لتغيير القانون لإدانتهم، أو يحاول تغيير رأى الأطباء النفسيين الذين شطبوا المثلية الجنسية من باب المرض من خلال الأبحاث، ويقدم هو أو مناصروه أبحاثاً مضادة، هذه هى الطرق الوحيدة لتنفيذ رغباته والتغلب على هواجسه وصراعاته النفسية، له كل الحق فى كراهية المثليين والتأفف والقرف منهم، هو حر، لكن يظل كل هذا التأفف فى دائرة إحساسه الشخصى، وكما صدّرت له المنظومة التراثية الدعوية أن الزوجة مجرد وعاء جنسى وعليه تأديبها بالضرب المبرح حتى على شوية غسيل كما حكت طليقته، صدّرت له تلك المنظومة أيضاً أن هذا الشاذ الفاعل والمفعول به يجب قتلهما أو على الأقل إلقاؤهما من فوق جبل، لم يتعلم فى هذا المجتمع عدم الحشرية واحترام الخصوصية وعدم اعتبار نفسه الهادى الأعظم للبشر ورسول الأخلاق الحميدة الجديد وغيرها من القيم والسلوكيات التى هى عمود خيمة أمريكا الذى جعلها بوتقة تنصهر فيها كل الأديان والعقائد ليصبح الانتماء فقط للوطن أمريكا، كما أقسم والده عندما هاجر من أفغانستان وحصل على الجنسية. عمر متين لم يتحمل إحساسه المرهف قبلة بين اثنين مثليين فى ميامى فقرر الانتقام بقتل خمسين مثلياً بعد أن صار داعشياً!! السؤال: هل مات عمر متين فعلاً برصاص الشرطة الأمريكية؟ هل سيُدفن الإرهاب مع دفن جثته؟! لم يمت عمر متين، ولن يموت، دُفنت جثة الإرهابى لكن ما زال شيطان الإرهاب حياً، لأن ماكينة استنساخ داعش التراثية النفسية المخاصمة للحضارة الرافضة للاندماج الكارهة للمختلف، مازالت تلك الماكينة تعمل وبكفاءة، وللأسف المكنة مش حتطلّع قماش، حتطلّع دم وأشلاء ورعب وفزع وموت ودمار وخراب.